إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
54959 مشاهدة print word pdf
line-top
الصفات بين النفي والإثبات

[وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين] .


الشرح
* قوله: (وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات).
الله -سبحانه وتعالى- قد سمى نفسه بأسماء حسنى، ووصف نفسه بصفات عليا في كتابه الكريم، وقد جمع في ذلك بين النفي والإثبات، ولكن النفي -في الغالب- مجمل، وهو نفي كل ما يضاد كمال الله وجلاله، والإثبات -في الغالب- مفصل متوسع فيه.
فمثال النفي المجمل: قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]. وقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65]. وقوله: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل: 74]. وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4]. وقوله: فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء: 22].
ومثال النفي المفصل: قوله تعالى: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا [الجن:3]. وقوله: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا [البقرة: 22]. وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ [الإسراء: 111]. وقوله تعالى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255]. لإثبات كمال قيوميته، وقوله: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110]. لإثبات كمال علمه وإحاطته، ونحو ذلك.
والحاصل أن النفي المجمل أو المفصل لا فائدة منه إلا إذا أثبتنا ضده من الكمال.
كذلك الإثبات، كقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]. هذا فيه إثبات الاستواء لله على ما يليق بجلاله، وقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد: 4]. فيه إثبات المعية العامة كما يشاء سبحانه، وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 231]. فيه إثبات العلم، وقوله: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 284]. فيه إثبات القدرة، وقوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر: 20]. فيه إثبات السمع والبصر، وهكذا فقد جمع بين النفي والإثبات.
* قوله: (فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين...).
ومتى كان كذلك فلا عدول ولا ميل لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون؛ لأنهم إذا عدلوا فإنهم سيسلكون سبل الشياطين على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قرأ قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا [الأنعام: 153]. خط خطا ثم قال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سبل وطرق، على كل طريق منها شيطان يدعو إليها .
فالصراط المستقيم الذي قال الله عنه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: 153]. هو طريق الأنبياء، ومنهم إمامهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وطريق الصحابة وسلف الأمة، وطريق الأئمة وأتباعه -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم الدين، هذا هو الطريق الحق، وهو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، وهو الموصل إلى الجنة، وهو صراط المنعم عليهم الذين ذكرهم الله في سورة النساء في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69]. فقد أخبر -سبحانه- بأن من أطاع الله طاعة تامة كاملة، وأطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنه مع هؤلاء الذين أنعم الله عليهم أتم نعمة وأكبر نعمة، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فقد هداهم سبحانه إلى الطريق الذي يرضيه عنهم ووفقهم لسلوكه، فالنبيون: هم الذين بعثهم الله لإصلاح أعمال الخلق ودلالتهم على الصراط المستقيم، والصديقون: هم الذين صدقوا المرسلين، ولم يترددوا في ذلك، فكانوا غاية في الصدق والتصديق.
والشهداء: هم الذين وفقهم الله تعالى لإعلاء كلمته، والاستشهاد في سبيله، والصالحون هم أهل الصلاح الظاهر والباطن، الذين أصلحوا أقوالهم وقلوبهم وأعمالهم، فكل هؤلاء من المنعم عليهم.
وكذا كل من أطاع الله وأطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة فإنه مع هؤلاء، فهم أحق الناس بالرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنهم اتبعوه حق الاتباع في جميع أمورهم، فلم يكن اتباعهم إياه في بعض الشريعة دون بعض، أو آمنوا ببعض الكتاب دون بعض: أو تابعوه في العقيدة دون العمل، أو في العمل دون العقيدة، بل اتبعوه في العقيدة والعمل والأخلاق والسلوك وكل شيء، فلذلك صاروا من الذين أنعم الله عليهم، نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.

line-bottom